مقابلة مع جمال محمد عمر
ماهي الأسئلة الكبرى التي تطرحها الرواية في عالم اليوم؟
قبل أن أجيب على جوهر السؤال، أريد في البداية الإشارة إلى مسالة مهمة، وهي ما يقال دائما من أن الرواية جنس دخيل على الأدب العربي وعلى الثقافة العربية بشكل عام. ويقال كذلك إن الكتاب الروائيون العرب بدأوا كتابة هذا الجنس الأدبي محاكين في ذلك كتاب الرواية في الأدب الغربي، وأنا بالنسبة لي لا أصدق هذا الطرح ولا هذا الادعاء. وللحديث عن تجربتي الشخصية في الكتابة، يمكنني أن أقول لك بأنني لم انطلق من تخطيط مسبق لأتحول من دارس ومدرس للفلسفة وأصبح كاتبا روائيا. بعد تخرجي من المعهد العالي للصحافة بباريس ومن جامعة السوربون، شغلت العديد من الوظائف قبل العودة إلى موريتانيا. عملت في الأمم المتحدة وكنت أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. في تلك الفترة لم يكن لدي اهتمام كبير بالأدب الروائي. في سنة 1986 طلب مني زميلي وصديقي هيبتنا ولد سيدي هيبة، أول رئيس لجامعة نواكشوط، أن أسس قسما للفلسفة بجامعة نواكشوط الفتية واستجابة لطلبه قبلت الدعوة وعدت إلى العاصمة نواكشوط حيث كنت أقطن في بيت متواضع بحي شعبي بمقاطعة السبخة الحالية. وفي هذه الفترة بالذات كتبت رواية الحب المستحيل وربما يعتبر من المفارقة أنني صرت كاتبا في هذا الحي الشعبي، حيث لا توجد محفزات كبيرة على الإبداع مقارنة بما كان متاحا لي وأنا أقطن بمدينة نيويورك. فبعد العودة إلى نواكشوط إذن وجدتني اكتب رواية الحب المستحيل وأتذكر إنني عندما أنهيت كتابتها سلمتها لأحد الأصدقاء، وكان آنذاك رئيس قسم الأدب الفرنسي بجامعة نواكشوط. وكنت مترددا في عرضها على الناشرين. فلما اطلع عليها شجعني على نشرها ثم لجأت إلى تعريبها فيما بعد، حيث نشرت في نصها الأصلي باللغة الفرنسية سنة 1990. لكن تعريبها لم يتم إلا في سنة 1994ولم تنشرها دار الآداب اللبنانية إلا سنة 2000.
هل تريد أن تقول بأن الرواية ليست إجابة عن سؤال محدد مرتبط بمعطيات وظروف معينة؟
الكاتب قد يرسم تصورا عاما للموضوع، لكنه حين يستغرق في كتابة النص يصبح هذا الأخير هو المتحكم في النهاية، بمعنى أنه لا يمكن تصور ما سيقوله النص. لكن الكاتب، بعد الانتهاء من نصه يعيد قراءته كقارئ وليس ككاتب، ويقرأه على ضوء الواقع الذي أنتجه.
أنت تفضل أن تقول بأن رواية الحب المستحيل قد عرفت طريقها إلى القارئ العربي عن طريق التعريب ولا تقول الترجمة؟
هو في الحقيقة تعريب وليس ترجمة. فالتعريب هو إعادة كتابة العمل من جديد مع الحفاظ على روحه؛ الشخوص تظل هي نفسها وكذلك الأحداث. التعريب هو إعادة بناء للمنجز الإبداعي وتقديمه بصيغة جديدة تواءم السياق التاريخي والبعد الثقافي للغة المنقول إليها.
من هو الكاتب الروائي بالنسبة لك، هل هو مبشر بقضية معينة، هل هو مصلح اجتماعي أو سياسي؟ وبعبارة أخرى هل الكاتب موسى ولد ابنو يكتب الرواية من منظور فلسفي، هل يريد التعبير عن أفكاره الفلسفية بالاتكاء على تقنية السرد؟
سبق وأن سألت نفسي نفس السؤال، لكن بالصيغة التالية: لماذا أكتب الرواية؟ وتوصلت إلى الإجابات التالية: أولا أنا أكتب الرواية كفيلسوف، لكن بشكل مختلف عن طريقة الفلاسفة القدماء. ثانيا أنا أكتب الرواية لأنني وجدت أنها تدخل في صميم الوجدان العربي الإسلامي؛ فالرواية ليست نمطا جديدا من الكتابة ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك في حضارتنا العربية الإسلامية، كالرواية الفلسفية عند ابن سيناء، ورواية حي ابن يقظان لابن طفيل. فالرواية جزء من المقومات الثقافية للحضارة العربية الإسلامية، وهي من ناحية أخرى ليست ديوان الغرب كما يقال، بل هي ديوان الإنسانية جمعاء. من هنا يمكن أن أقول لك إنني بكتابتي للرواية لم أكن أصدر عن تقليد للغرب، لكنني كنت استلهم التراث الديني الإسلامي الذي هو مرجعيتي الأولى. يقول جل من قائل في سورة الأعراف: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. لقد لجأت إلى استنطاق التراث الديني وتوظيف القصص القرآني في رواية مدينة الرياح، خاصة الجزء الأخير من سورة الكهف. إشكالية معنى التاريخ كانت حاضرة بقوة في هذه الرواية إضافة إلى سؤال الوجود، كنت أتساءل مثلا هل الإنسان يصير من سيئ إلى أسوأ، أم إنه ينتقل من سيئ إلى أحسن وهل الإنسان يصنع التاريخ بتبصر؟ ثم إن حكاية اللازمان الموجودة في قصة أصحاب الكهف هي التي جعلتني أنتج شخصية "كارا" في رواية مدينة الرياح، أريد أن أصل إلى أن القرءان، بأسلوبه القصصي، أسعفني في حل معضلات تقنية كتابة الرواية. أما فيما يتعلق بالإجابة على الشق الأول من السؤال فأحيلك إلى رواية الحب المستحيل التي أعتبرها نقدا لما آل إليه عالم التقانة.
إلى أين تتجه الرواية اليوم في ظل تقنيات الاتصال؟ هل ستختفي أم سينحسر دورها مثلا؟
أعتقد أن وسائل الاتصال وتطورها المتسارع من شأنه أن يدعم النص التقليدي ويعطيه دفعا إلى الأمام، كما أن نفس الوسائل من ناحية أخرى تمثل تحديا كبيرا لهذا النص، لكونها أصبحت تفرز أنماطا جديدة من الكتابة الروائية تسمى" الكتابة التفاعلية" وهي الكتابة التي أصبحت تعطي الفرصة للقارئ كي يشارك في الصيغة النهائية للنص، حيث لم يعد الكاتب هو المتحكم الوحيد في الصياغة النهاية للعمل المنجز، كأن يكتب فصلا أو فصلين ويضعهما في متناول القارئ عبر الإنترنت ويضيف هذا الأخير فكرته على النص وهكذا حتى تكتمل الصورة النهاية التي تستجيب لذوق الكاتب والقارئ في نفس الوقت.
لكن هذا النمط من الكتابة يعرض النص للضعف من حيث قوة السبك وعمق الفكرة مادام متاحا لقارئ عادي أن يشترك في إنجازه؟
لا أعتقد ذلك، لأن هذا النمط من العلاقات بين الكاتب والقارئ كان موجودا، والتواصل بينهما هو الذي كان مفقودا. فالقارئ كان يقرأ النص ويجد أن فكرة معينة أو أسلوبا معينا لا يعجبه، لكنه لم يكن يمتلك فرصة للتعبير عن ذلك.
لقد مضت حوالي ثلاث سنوات على صدور روايتكم الأخيرة حج الفجار والتي هي الجزء الأول من رواية ثلاثية، هل لنا أن نتساءل عن مصير الجزأين الأخيرين؟
إن نية نشر الجزأين الأخيرين لا زالت موجودة، لكن قد يتم نشرهما باللغة الفرنسية قبل تعريبهما؛ وأنا الآن بصدد نشر الجزء الأول باللغة الفرنسية، وهو الأصل الذي عرب وصار "حج الفجار".
ولماذا الكتابة باللغة الفرنسية، هل لأنكم أكثر تمكنا منها مقارنة باللغة العربية؟
أنا ألجأ إلى الكتابة باللغة الفرنسية لكي أكتشف اللغة العربية من جديد. ثم إن الكتابة باللغة الفرنسية تساعدني أكثر على التحرر من القيود.
راج في الآونة الأخيرة، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالتحديد، مصطلح الإرهاب وهو مصطلح إن لم يكن بالجديد لكن الصيغة التي أصبح يطرح بها مختلفة عن ما كانت تتناول به في السابق، أين الرواية إذن من هذه الظاهرة وكيف تقيمون علاقة الرواية بالإرهاب؟
في الحب المستحيل تحدثت عن الإرهاب ورفضه، رغم أن الرواية صدرت قبل انتشار هذه الظاهرة. يدور نقاش بين عضوين من جمعية أصدقاء الحب حول ظاهرة الإرهاب، أحدهما يخاطب الآخر الذي يريد القيام بتفجير قائلا: "إن حياة بشر واحد أهم من كل القضايا".
كيف تنظر إلى علاقة الكاتب الروائي بالناقد، هل أن الروائي الناجح مدين لشخص الناقد أم أن وجود مبدعين جيدين هو الذي يساهم في وجود ناقد جيد؟
وجهة نظر الناقد حول النص المنجز أساسية جدا، فالنقد الجيد ينتج مبدعين جيدين، كما أن الناقد الحقيقي مبدع لنص جديد.
ما هي قراءتك للساحة الأدبية الموريتانية اليوم؟
أرى أن الأدب الموريتاني يمتاز بخصوصيتين على مستوى الأدب العربي، الأولى هي ازدواجية الكتابة باللغة العربية والفرنسية، فنحن لدينا مبدعون يكتبون باللغتين. أما الناحية الثانية فهي أن الأدب الموريتاني أصبحت تنموا فيه مدرسة للخيال العلمي وهذا شيء جديد.