مراسلة الشيخ سيديه مع الوالي فيديرب

مراسلة الشيخ سيديه مع الوالي فيديرب


بعث الوالي الفرنسي بالسينغال فيديرب برسالة إلى الشيخ سيديه الكبير

بتاريخ 22 ديسمبر 1855 يطلب منه فيها التدخل لإعادة ما سلبه أولاد

أحمد من أمواله وأموال عياله، ويتوعده إذا هو لم يفعل ما طلب منه. ولم نتمكن من

الحصول على نسخة من هذه الرسالة التى يرد عليها الشيخ سيديه فى رسالته الموالية.


(75)

جواب الشيخ سيديه على رسالة فيديرب الصادرة في 22 ديسمبر 1855

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الملك الحق العلي العظيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه ورسوله الكريم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على دينهم القويم،

هذا وإنه من عبد ربه الغني به سيديه بن المختار بن الهيبه، طهر الله منه الجيب وستر العيب، وأصلح الشهادة والغيب، إلى فضرب[1]، أمير أهل اندر[2] الذي خفي عليه كثير من حقيقة الخبر، سلام على من اتبع الهدى وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى،

أما بعد، فاعلم يا فضرب أن مكتوبك وصل إلينا وقدم به حامله إلينا فنظرنا فيه فإذا هو مشتمل على أسلوب من الكلام لم يواجهنا به قبلك أحد من الأنام، لما فيه من الجرأة والتوعد بالانتقام إن لم نرد إليك ما نهبه أولاد أحمد[3] من مالك ومال عيالك، لزعمك وقولك في مكتوبك إن أولاد أحمد ينتمون إلينا ويطيعوننا ونحن ننصرهم، وهذا خطأ منك وجهل لحقيقة ما بيننا وبين أولاد أحمد. نحن قبيلة من الزوايا، وأولاد أحمد قبيلة من بني حسان؛ والزوايا وبنو حسان فريقان متباينان في الديانة والطبيعة والأمانة، فلا تصلح حقيقة الانتماء والطاعة والنصرة من أحد الفريقين، لكن قد يوجد بينهما إظهار المصادقة والنظرة بالقول لا بالفعل من كل منهما للآخر. ويوجد من بني حسان طلب البركة والحجاب عند الزوايا. وقد يقع وجود الصدقة والهدية لبعض الزوايا، وتقع المداراة لبعض بني حسان من بعض الزوايا. وهذا كله لا يسمى بالانتماء ولا بالطاعة ولا بالنصرة حقيقة؛ لأنه لا يبلغ مبلغًا يحمل أحدًا من بني حسان على قبوله، ولا بعض الزوايا أن يفعل في ما بيده كل ما يريده لا سيما في مثل استرداد غنائمهم ومنهوباتهم من أموال أعدائهم المعادين لهم في الأموال والأبدان، وأحرى منهم المعادين لهم كذلك في الأديان. وهذا هو الحق الذي لا غبار عليه ومن يقل سواه فلا عبرة بقوله ولا يلتفت إليه؛ لأنه من الأمور البينة الجلية التي يعلمها الخاص والعام والرفيع والوضيع من البرية. فنحن وغيرنا من الزوايا لا يد لنا على بني حسان، فلو كانت لنا عليهم يد أو كانوا يسمعون أو يطيعون لنا في جميع ما نأمرهم به وننهاهم عنه لتركوا الانتهاب والإغارة على غيرهم من السودان المسلمين وأهل العهد من أهل الكتاب الكافرين؛ لأن أهل العهد تحرم دماؤهم وأموالهم وأعراضهم ما لم ينقضوا عهدهم مع المسلمين. وقد نهينا كثيرًا من سفهاء بني حسان عن ذلك فلم يسمعوا ولم يطيعوا واستمروا على ذلك ولم يرجعوا والعياذ بالله تعالى من الظلم وارتكاب كبائر الإثم إنه على ذلك قدير وبإلاجابة جدير.

ثم إذا تبين لك يا فضرب، أمير اندر المغيب عنه كثير من الخبر، بما ذكرناه من أحوال الزوايا وعدم طاقتهم على التصرف فيما بأيديهم وما نهبوه من أعدائهم، أن ما واجهتنا به من الجرأة وسوء الآداب بعيد عن سبيل العدل ومصادفة الصواب؛ لزمك الرجوع على نفسك بالملام والانتقام بسبب ما ارتكبته من الخسة وقبائح الآثام، لزمك أيضا أن تجتهد في ما يصفى خواطرنا وخواطر تلامذتنا عليك وعلى كل من كان ينتمي إليك؛ لأن الأمراء يأنفون عن كل ما فيه مذمة ويجتهدون كل الاجتهاد في اغتنام الخصال المهمة ويحجزهم كمال عقولهم عن ارتكاب ما يوجب انحطاط المراتب، إذ العقل إنما سمي عقلا لأنه يعقل صاحبه عن المعاطب وسيئات المكاسب. ثم إن كان الذي حملك عليه رأي غيرك وسعايته إليك بالنميمة والكذب والغيبة، فقد غشك وخانك وأراد أن يفسد عليك عهدك وأمنك وأوقع نفسه في موجبات خرابه في الحال وإهانته في المآل بسبب سعايته؛ لأن الكذب والنميمة والغيبة من أكبر الكبائر وأعظم المناكر، وقد جاء في القرآن العظيم والحديث الصحيح الكريم من النهي والوعيد بالعذاب الشديد في شأن مرتكبيها ما ليس فوقه من مزيد. أما القرآن فكقول الله تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ *﴾[4]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾[5]. وأما الحديث فكقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ»[6]، وفي رواية أخرى: "لا يدخل الجنة قتات"[7]، وهو النمام. وقوله عليه الصلاة والسلام: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قالوا: بلي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم. قال: الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ"[8]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزناء"[9]. وفي رواية أخرى أشد من ثلاثين زنية في الإسلام. وقوله عليه الصلاة والسلام في الكذب: "إياكم والكذب، فإنه من الفجور وهما في النار"[10]، أي صاحبهما في النار. وقوله عليه الصلاة والسلام فيه أيضا: "إن الكذب باب من أبواب النفاق"[11]. وقول عائشة رضي الله عنها: "ما كان من خلق أشد عند الرسول صلى الله عليه وسلم من الكذب..."[12].

والهماز العياب المغتاب، والمعتدى الظالم، والعتل الغليظ الجاني، والزنيم الدعي. والغيبة: ذكرك أخاك بما به مما يكره إن لو سمعه. والنميمة: هي نقل الكلام للغير على وجه الإفساد، والكذب: معناه ظاهر. فنسأل الله سبحانه أن يعيذنا وجميع المسلمين من النميمة والكذب والغيبة ومن جميع المعاصي الكبيرة والصغيرة، وأن يعيذنا أيضا من جميع المكاره الدنيوية والأخروية إنه علي ذلك قدير وبالإجابة جدير.

ثم لتعلم يا فضرب أنك إذا أخذ الله بناصيتك ومجامع قلبك لتصديق ما ذكرناه في هذا المكتوب وسطرناه وسالمتنا وسالمت جميع تلامذتنا وجميع المسلمين المتعاهدين مع النصارى في هذه الأراضين ما داموا على العهد وانبرام العقد، توجهنا إلى الله تعالى وسألناه أن يهديك ويرشدك إلى الوجه الذي يصرف عنك أشأم الرذائل والنقم، ويسوق إليك أعظم الفضائل والنعم. وما من ذى عقل سليم ورأي مستقيم إلا وهو يعلم أن أشأم الرذائل والنقم هو الكفران والعصيان، وأن أعظم الفضائل والنعم هو الإسلام والإيمان والإحسان. وأنت إن كنت من العقلاء الذين تأبى لهم عقولهم إلا أن يحبوا أنفع الأشياء ويبغضوا أضر الأشياء، فَأَعِنَّا على نفسك بالانقياد إلى ما نريده لك من أنجع المراد وذلك بأن تنظر بنور عقلك فيما بين الإسلام والكفر، فيتبين لك أن الإسلام خير من الكفر؛ لأنه نافع والكفر ضار؛ إذ الإسلام يوجب الخلود في النعيم المقيم، والكفر يوجب الخلود في العذاب الأليم، والعاقل يمنعه عقله عن اختيار الضار الذي يوافق هواه عن النافع الذي يخالف هواه. ولا يكون شيء من ذلك كله إلا بإرادة الله تعالى وقدرته. والله سبحانه خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه، وهم المؤمنون، وخلق النار فأعدها دار خلود لأعدائه، وهم الكافرون. فإذا علمت هذا علم اليقين واستنار به قلبك، واطمأنت له نفسك وانشرح له صدرك، فاعلم أن فضيلة الإسلام قد اظلتك وأن رذيلة الكفر قد أدنى دفاعها عنك، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾[13]. وحينئذ، فاعلم أنا ندعوك إلى الإسلام ونأمرك به أمرًا جازما لتنجو من النار وتخلد في الجنة خلودا ملازما، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فاسلم تسلم، ويؤتك الله أجرك مرتين وتفز عنده بما فيه لك قرة العينين، وانبذ عنك شهاب الكفر بدخانه، واستضئ بضياء دين الله تعالى: إسلامه وإيمانه وإحسانه تتحف بمغفرته سبحانه لجميع ما مضى من ذنوبك ورحمته ورضوانه؛ لأن الإسلام يجب ما قبله وينشر الله به على العبد رحمته ونعمته وفضله. فإذا أسلمت كان لك جميع ما ذكر وأكثر وأكثر مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من الفضل العظيم وأنواع النعيم الدائم المقيم، وإذا امتنعت من الإسلام بعد ما دعوناك إليه، وأمرناك به، ورغبناك فيه، وبينا لك فضيلته وكرامته، فإنك يكون عليك إثم أتباعك مع إثمك ويتضاعف بذلك العذاب عليك في الانتقام منك بدليل ما قاله نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي أرسل به إلى هرقل[14] عظيم الروم يدعوه فيه إلى الإسلام، ولفظ المكتوب في كتابه هكذا كما في صحيح البخاري[15] رحمه الله تعالى:

« بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أَسْلِمْ تسلم يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيِّين[16]، ﴿ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾»[17].

«فلما فرغ هرقل من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات، ثم بعد ذلك قال لقومه: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا لهذا النبي؟ فامتنعوا. وإنما قال لهم ذلك لما يعرفه من الكتب السالفة [أن][18] التمادي على الكفر سبب لذهاب الملك. ثم وقع من تجهيز الجيش إلى مؤتة[19] وتبوك[20] ما يدل ظاهره على استمراره على الكفر، لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لمملكته وخوفا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد[21] أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إني مسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه نصراني»، انتهى من القسطلاني[22].

فنسأل الله تعالى سبحانه أن يثبتنا على ديننا بفضله وكرمه، وأن يأخذ بناصية فضرب ومجامع قلبه، ومجامع قلوب أكابر قومه مثل چيچم[23] وإبراهيم بن بوبه[24] وإبراهيم أليمان[25] وأمثالهم من أهل اندر من كل من له عهد مع المسلمين صحيح، وأمان مع السلامة لنا ولجميع المسلمين، والعافية ودوام جلائل النعم السابغة الضافية، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الكبير، والسلام.


رسالة فيديرب الثانية إلى الشيخ سيديه

هذا وإنه من أمير اندر إلى شيخ الشيوخ شيخنا[26] سيديه بن المختار بن الهيبه، سلام أي سلام يصحبه إجلال وإكرام، موجبه أن مُوَفَّقًا مُهَابًا مثلك واجب عليه أن يجعل همته في إصلاح الأرض التي هو فيها، والقبيلة التي هو منها، وهذا هين عليك جدًا.

ففي كريم علمك أنه حارب الترارزة لاهتمام محمد الحبيب بالاستيلاء على جميع الأراضي الدائرة به، وذلك ثقيل عليه ولا يقبله، ومن أجله أغري عليه جميع السودان حتى أفقروهم وخربوهم، ولَيُدِيمَنَّ الحرب معه حتى يقبل شروطه.

وأما هو مع العرب التي بأرض انْگَلَمْ[27]، فبخلاف ذلك؛ لأنه ما اشتكى قط من إيدوعيش. وإذ أتي الأحمق الحاج عمر[28] وأغري عليه سودان انْگَلَمْ حتى وقعوا على تجاره وغصبوا أموالهم[29]، اجتمع في الحين مع أحبابه إيدوعيش وانتقموا من هؤلاء السرقة واللصوص وعذبوهم عذابا أليمًا. وذلك دليل على أنه غير ملتفت إلى لون أسود أو أبيض؛ لأنه في أرضنا هذه، أرض الساحل، مع السودان على البيضان، وفي المشرق بأرض انْگَلَمْ مع البيضان على السودان. هذا دليل على أنه ليس إلا مع من لا يظلمه ولا يظلم عياله، ولا يقع إلا على من يفعل هذا به أو بعياله.

فالآن لم يبق إلا السؤال عن حاله مع البراكنة، والجواب أنه لا شيء بينه معهم يوجب الشر، إلا أنه في العام الماضي طلب أن يتوافق مع امحمد بن سيدي فغدره، واليوم فالبقاء بلا شراء حبة علك أحبُّ إليه وأولى عنده من الموافقة مع امحمد بن سيدي ولو أن الحرب والشر بينهما يدوم أكثر من مائة سنة.

وأما سيدي اعلى فبخلاف ذلك، فكلما أراد أن يأخذ المرسى ويتولاه، فإن الكل يصلح في الحال ويبدأ البيع في ذلك اليوم، وسترضيه الهديات اللاتي سينال من أمير اندر، وسيعينه بجيوشه وسفنه ويعطى له المدافع والبارود والخنط[30] ويتوافق معه على حالة لا تضر ولا تخدع به الزوايا التى تَرِدُ الْگَصْبَه[31].

ويا أيها الشيخ التقي النقي، فاعلم بأنه راجٍ منك أنك ستبذل جهدك في إصلاح هذا الأمر، وكلما أوقعت العافية وأتيته عند الْگَصْبَه أو أرسلت إليه أحدًا من أهلك أو تلاميذك، فإنه يجازيك على الإحسان الذي فعلت في أرض البراكنة أتم جزاء وأحسنه إن شاء الله، والسلام.  


(76)

رسالة الشيخ سيديه الجوابية على رسالة فيديرب الثانية

الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الزحام، هذا وإنه من عبد ربه الغني به سيديه بن المختار بن الهيبه إلى أمير اندر، سلام على من اتبع الهدى وخالف النفس والهوى؛

أما بعد، فإن جوهر كتابك المنبئ عن مطلوبك قد قدم به رسولك علينا، فنظرنا جميع ما فيه، وعلمنا ما تضمنه من الصواب وما ينافيه، مع ما فيه من الإجمال والتفصيل والتقصير لبعض الكلام والتطويل، واطلعنا على ما ذكرت فيه من شأن محمد الحبيب، وشأن إيدوعيش، والحاج عمر، والبراكنة وغيرهم. وحصل عندنا أن حاصل فائدته إنما هو في إصلاح البلاد الذي به صلاح العباد. وقد ذكرت أنك ترجو منا أن نبذل جهدنا فيه، وأن مثلنا ممن يجب عليه أن يجعل همته في إصلاح الأرض التى هو فيها، وإصلاح فرق المسلمين التي هو منها، ونحن نذكر لك من الرأي السديد على وجه النصيحة الصحيحة ما إذا فعلته أصلح الله بلادك وبلاد المسلمين، وانتشرت العافية في جميع أقطار الأرض؛ وذلك أن تفعل أحد هذين الأمرين:

الأول منهما، وهو أفضلهما لك ولأتباعك وللمسلمين، أن ترجع عن الكفر الموجب للخلود في الجحيم، إلى الإسلام الموجب للخلود في جنات النعيم، وهذا الوجه إذا فعلته سلمت في الدنيا والآخرة، وسلم من اتبعك فيه من جميع المكاره الدنيوية والأخروية، ويحصل لك مع ذلك أن يكون لك أجره وأجر من عمل بما عملت به من أتباعك، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا لقول النبي ﷺ: «من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا»[32].

والثاني منهما، أن تفعل ما تحصل به العافية لعباد الله، وذلك بأن ترد جميع من أخذه النصارى من أحرار المسلمين وعبيدهم، وتقبل لأمراء بنى حسان الذين هم المالكون لهذه الأراضين ما كانوا يأخذونه من [المداراة][33] عند النصارى، وترسل إليهم بذلك عاجلاً مع من يثقون به من طلبتك المجاورين لك، وتكتب لهم كتابا فيه من الكلام الحسن ما تطيب به نفوسهم، وتنشرح له صدورهم. فإذا فعلت أحد هذين الأمرين يحصل لك بإذن الله ما تطلبه من إصلاح البلاد وتيسير المعاش على العباد، وتتم العمارة وتنتفى الخسارة الواقعة في أهل هذه الأراضين من المؤمنين والكافرين.

لكن الأمر الأول هو الأفضل، وهو الذي نرجو[34] من الله تعالى أن يأخذ بناصيتك إليه ويجبرك وجميع أتباعك على الإقبال عليه مع السلامة والعافية لنا ولجميع المسلمين، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الكبير.

واعلم هدانا الله وإياك لاتباع السنة والعمل الموجب لدخول الجنة، أن العاقل من عقل نفسه ومنعها من المعاطب الدنيوية والأخروية. وأشد المهالك والمعاطب على العبد الذي خلقه الله لتوحيده وعبادته، أن يترك ما خلقه ربه له، ويفعل ما دعته إليه نفسه الأمارة بالسوء، وشيطانه المغوي الذي لا يريد إلا إهلاكه، ولا يدعوه إلا لأن يكون معه في النار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾[35]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[36].

واعلم أنا نصحناك كل النصيحة وأمرناك بأحسن ما يؤمر به أرباب الرأي الحسن والقريحة إن كان لك عقل ينفع أو أذن تسمع، وبالله تعالى التوفيق والهداية إلى سواء الطريق.  


[1] - هكذا كتبت في الأصل، والطريقة التي تكتب بها حديثًا تبعا لطريقة نطقها الفرنسي هي: فيديرب. والمعني هو: ليون سيزار فيديرب Léon César Faidherbe (1818-1889)، ضابط عسكري وإداري استعماري فرنسي شهير. تخرج من بوليتكنك ومن المدرسة التطبيقية للهندسة العسكرية، وخاض تجربة استعمارية في گوادلوب والجزائر التي بدأ تألقه الحربي فيها من خلال تجربته فى منطقة الأوراس والتخوم الصحراوية، وأصبح يتكلم العربية. وشكل ذلك تحولاً ملحوظاً فى حياته المهنية إذ زاد من ثقته فى نفسه وثقة رؤسائه المباشرين به، فطلب "تحويلاً تشجيعيًا مفيدًا" إلى إحدى المستعمرات، فعُين فى 1852 مديراً مساعداً للمنشآت التحتية فى السينغال التي التحق بها فى 6 نوفبر 1852 حاملاً معه تجربة استعمارية غنية سيكون لها أثرها فى تجربته المهنية بالسينغال التي برهن خلالها على مقدرة على تحمل المشاق وصرامة فى مواجهة الخصوم. وعُيِّنَ واليًا للسينغال اعتبارا من فاتح نوفمبر 1854 حيث خاض حرب احتلال والو وتغيير شروط التبادل على الضفة اليمنى لنهر السينغال (1855-1858)، ونجح حيث فشل سابقوه في تحويل مستعمرة السينغال من وضعية المركز التجاري الجزيري المحصن إلى وضعية المستعمرة الترابية المتماسكة الأطراف. ولمزيد من التعريف بالرجل وتجربته السينغالية، راجع كتابنا: إمارة الترارزة وعلاقاتها التجارية والسياسية مع الفرنسيين من 1703 إلى 1860، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط 2000، ج.2/546-572.  

[2]- سبق التعريف به.

[3]- سبق التعريف بهم.

[4]- سورة القلم، الآيات من 10-13.

[5]- سورة الحجرات، الآيتان 11-12.

[6]- حديث صحيح رواه مسلم (290)، وأحمد (23435)، والبزار في مسنده (2898)، والبيهقي فى "الشعب" (10590) وغيرهم عن حذيفة بن اليمان.

[7]- حديث صحيح أخرجه البخاري (6056)، ومسلم (291) وأبو داود (4871)، والترمذي (2026)، وأحمد (23295) وغيرهم عن حذيفة مرفوعا.

[8]- حديث ضعيف أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(323)، وأحمد في  المسند" (27599) وغيرهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم مرفوعا بسند ضعيف.

[9]- حديث ضعيف جداً رواه الدينوري في "المجالسة" عن جابر ابن عبد الله وأبى سعيد الخدري مرفوعا، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "الشعب"، والأصبهاني في "الترغيب" عن عباد. 

[10]- حديث صحيح ورد بروايات مختلفة وأقربها إلى رواية المصنف هي رواية سنن أبى داود (4989) التي جاء فيها: " إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار".

[11]- أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" عن زياد بن المنذر عن أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً. واعتبره الألباني موضوعا؛ لأنه رُوي عن زياد بن المنذر الذي قال عنه الحافظ في "التقريب" إنه: "رافضي كذّبه يحيى بن معين". وأخرجه ابن عدي في "الكامل" بسند ضعيف. 

[12]- حديث حسن أخرجه الترمذي (1973) عن عائشة، وصححه الألباني في "الأحاديث الصحيحة" (2052) .

[13]- سورة الأنعام، الآية 125.

[14] - هرقل: هو فلافيوس أغسطس هرقل Flavius Heraclius Augustus (575-641)، إمبراطور بيزنطة ابتداء من عام 608 بعد أن قاد ثورة ناجحة ضد الإمبراطور فوقاس، في ظل القلاقل التي عانت منها الإمبراطورية. واعتبر أحد أشجع الأباطرة وأقواهم لتحقيقه النصر على الإمبراطورية الفارسية بشكل حاسم وقضائه على حالة الترهل والانحطاط الذين عانت منهما الدولة في عهد سلفه فوقاس. ويعتبر هرقل أكثر الأباطرة حضورا في التراث العربي الإسلامي. فبعد انتصار الفرس على البيزنطينيين، بشرت الآيات الأولى من سورة الروم المكية بانتصار ساحق للإمبراطورية البيزنطية، وهو ما تم عام 629. وتأتي رسالة الرسول ﷺ هذه إلى هرقل ضمن الرسائل التي كتبها بعد عودته من الحديبية إلى الملوك في زمنه من أمثال كسرى والنجاشي والمقوقس وهرقل.. وقد حمل هذه الرسالة الصحابي دحية بن خليفة الكلبي المتوفى نحو 45ه/665م.  

[15]- البخاري: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الخراساني(ت. 256ه/870م)، حبر الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، صاحب "الجامع الصحيح" المعروف بصحيح البخاري، و"التاريخ"، و"الضعفاء" في رجال الحديث، و"خلق أفعال العباد"، و"الأدب المفرد". وهذا العزو وارد في صحيح البخاري، دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية 1999، كتاب الوحي، الحديث رقم 7، ص. 3.

[16]- الأريسيون: نسبة إلى أسقف كنيسة بوكاليس في الأسكندرية آريوس Arius الذي أحدث أزمة خطيرة على الصعيدين الديني والسياسي في المجتمع المسيحي زمن قسطنطين العظيم عندما أعلن، حوالي 323م، ثورته على القول بألوهية المسيح مؤكدًا بشريته، وأن الأب وحده هو الإله، فوصف هو وأتباعه ب"الموحدين". وبذلك انتقل آريوس بعقيدة ﴿الذين قالوا إنا نصارى﴾ من مستوى التقليد اليهودي إلى مستوى التفكير النظري، فاعتبر زعيم الموحدين. واستطاع أتباع آريوس الاستمرار في نشر مذهبهم التوحيدي – رغم معارضة الكنيسة – في أنحاء كثيرة من الامبراطورية البيزنطية، بل إن حضوره قد امتد إلى الحبشة الذين أصبحوا يدينون بمذهب آريوس، وكان حاضرا بقوة على مستوى الملك النجاشي إبان ظهور الدعوة المحمدية، رغم اعتناق حاشيته المذهب اليعقوبي.

[17]- سورة آل عمران، الآية 64.

[18]- ما بين معقوفتين في هذا النص ساقط من الأصل، ويقتضيه السياق ومثبت في رواية الشيخ موسى كمرا لهذه الرسالة.

[19]- مُؤْتَةُ: بَلْدَةٌ أُرْدُنُّيَّةٌ تَقَعُ جَنُوبَ الْكَرْكِ غَيْرُ بَعِيدَةٍ مِنْهَا، وقعت بها سرية مؤتة في جمادي الأول عام 8ه/أغسطس 629م بسبب قتل والى الروم على البلقاء شرحبيلُ بن عمرو بن جبلة الغساني الصحابيَّ الحارثَ بن عمير الأزدي، رسول النبي ﷺ إلى ملك بصرى؛ حيث أوثقه وضرب عنقه، ضاربا عرض الحائط بحرمة قتل السفراء والرسل التى كانت تعتبر إعلان حرب، فاشتد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فجهز جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أمَّر عليه زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبى طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل اختار الجيش واحدا منه. وأوصاهم أن يدعوا المشركين إلى الإسلام، فإن أبوا استعانوا بالله عليهم وقاتلوهم، وقال لهم: «اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغيروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء».

[20]- تبوك: كانت تبوك منهلاً فى أطراف الشام من ديار قضاعة، وهي اليوم مَدِينَةٌ مِنْ مُدُنِ شَمَالِ الْحِجَازِ الرَّئِيسِيَّةِ، لَهَا إمَارَةٌ تُعْرَفُ بِإِمَارَةِ تَبُوكَ، تبعد عن المدينة المنورة 778 كلم. وقد جرت بها غزوة تبوك فى صيف عام 9ه/630م التى تعتبر امتدادًا لمعركة مؤتة مع الروم حيث شعر هؤلاء بخطر المسلمين عليهم، فأرادوا القضاء عليهم قبل أن يستفحل أمرهم. وقد علم المسلمون أن هرقل قد هيأ جيشا عرموما قوامه أربعون ألف مقاتل، وما معهم قبائل لخم وجزام وغيرهما من متنصرة العرب، وأن مقدمتهم بلغت إلى البلقاء. وكانت الفترة فترة صيف وعسرة كبيرة، لكن الرسول ﷺ قرر غزو الروم فى عقر دارهم، فجهز "جيش العسرة" على عجل، ودعا الصحابة أن يتأهبوا للقتال، وبعث إلى قبائل العرب وإلى أهل مكة يستنفرهم. كما حض الناس على الجهاد، ورغبهم في البذل والإنفاق في سبيل الله. وقد خرج المسلمون في حوالي ثلاثين ألف مجاهد، ولما وصلوا إلى تبوك وجدوا الروم قد تفرقوا عندما علموا أنهم فقدوا عنصر المباغتة. فجاءه ﷺ حاكم أيلة وأهل جرباء وأذرح وصالحوه على الجزية وكتب لهم بذلك كتابا، وعاد بجيشه مظفرًا إلى المدينة.  

[21]- أحمد: هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت.241ه/855م) إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة. اعتنى كثيرا بجمع الحديث وتدوينه في (المسند) المشتمل على ثلاثين ألف حديث. وقد عرف بنـزعته السلفية ومخالفته "الرأي"، ومعارضة المعتزلة، ومجانبة الملوك وأصحاب السلطة حتى آل به ذلك إلى السجن والتنكيل في عهد المعتصم لرفضه القول بخلق القرآن. له المسند المحال إليه هنا، والناسخ والمنسوخ، والرد على من ادعى التناقض في القرآن.    

[22]- القسطلاني: هو أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني المصري المتوفي سنة 923هـ/1517م، صاحب كتاب "إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري"، و"المواهب اللدنية في المنح المحمدية"، و"لطائف الاشارات في علم القراءات"، و"مشارق الانوار المضيئة في شرح البردة"... ويرجع بشأن حديث القسطلاني عن هذه الرسالة إلى: إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري، ضبطه وصححه محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت 1996، ج.1/103 وما بعدها.

[23]- چيچم: ذهب سيدى أحمد بن أحمد سالم في تحقيق كتاب أمروﮒ الحرف (106-107) إلى أن چيچم هذا هو گيوم فوا Guillaume Foy  أحد خلاسي سان لويس (أندر)، وكان من أغنى التجار فيها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد ذكره الهادي بن بدي (ت. 1321ه/1903م) في منظومته الوعظية ضمن ثلاثة تجار فرنسيين مشهورين بكثرة المال، فقال:

... فإنما الدنيا كمحض العدم   لا هي بالبقا ولا بالقدم

  عن چچم زالت وقل عجمى   وعربي في الغنا كچچم

   بعـــــــد اشترائـــــــــه لكـــــــــل عــــــير   عدل للخلود فى السعـير

      بَعْدَ اشتِراءِ كُنْدَرِ الأغْلالِ   أصَبَحَ في القُيُودِ والأغْلالِ...

  ولمْ تُفِــــــــــــــدْ فِيما إليهِ صَــارا   يا ويْحهُ مَكائـــــــدُ النّصـــــــارى

[24]- إبراهيم بن بوبه: لم نجد معلومات عن هذا الشخص الذي يبدو من منطوق رسالة الشيخ سيديه أنه من الشخصيات السان لويسية البارزة وقتها، ويبدو من اسمه أنه من سكان المنطقة الأصليين ممن كانوا يرتبطون بعلاقات مع سكان الضفة اليمنى.

[25]-  إبراهيم ألمان: لم نجد معلومات في مصادرنا عن شخصية سان لويسية بهذا الاسم في أواسط ستينيات القرن 19. وذهب الناني بن الحسين في تحقيقه للمجموع النفيس (ص. 167) إلى القول إن المعني هو "إبرا ألمامي وان" المنحدر من أسرة في قرية امبومبا في "لاَوْ" على الضفة اليسرى لنهر السينغال، عرفت بجمعها بين الزعامة الدينية والعلمية والقيادة العسكرية، وتم اختياره زعيما لمنطقة "لاَوْ" سنة 1863، فسطع نجمه وظهر كزعيم سياسي يحسب له حسابه نتيجة لذكائه السياسي وما ورث عن والده من علاقات طيبة وتحالفات قوية مع جيرانه. وربط علاقات ودية مع الفرنسيين في سان لويس، فأصبحت له مكانة كبيرة عندهم تضايق منها زعماء حوض نهر السينغال ولا سيما أمير بوسيا عبدول بوكار وترنو إبراهيم كَانْ في منطقة مقامة. وتوجه في إخريات أيامه إلى الحج رفقة المترجم ابن المقداد على متن إحدى البواخر الفرنسية سنة 1893 ليعود في نهاية السنة نفسها إلى مسقط رأسه، وتوفى في فبراير 1895. ونستبعد هذا الافتراض لأن المعني – في منطوق الرسالة – هو شخصية متميزة من أهل سان لويس في أوائل ستينات القرن 19، والرجل من أهل "لاَوْ" ولم يبدأ له دور سياسي واجتماعي إلا في النصف الثاني من ذلك القرن.

[26]- الضمير هنا يعود لكاتب الرسالة شمس محمذ فال الحاجي لا لمرسلها فيديرب.

[27]- انْگَلَمْ: أو گالم Galem في الأدبيات الفرنسية، هي منطقة كيديماغه الحالية في جنوب شرقي موريتانيا حيث تشكل منطقة تماس بين الحدود الموريتانية السينغالية المالية. وشكلت خلال القرن 19 ساحة للتبادل بين الفرنسيين وإمارة إدوعيش عبر محطة باكل Bakel التجارية ابتداء من 1821. كما شكلت مسرحًا لصراع الفرنسيين مع الحاج عمر الفوتي في نهاية ستينيات ذلك القرن.

[28]- الحاج عمر: هو عمر بن سعيد تال الفوتي (ت. 1280ه/1864م)، عالم جليل غزير التأليف، ومجاهد كبير ذو دور مهم في التاريخ الديني والسياسي للسودان الغربي المسلم خلال القرن 13ه/19م. درس في محاضر العلويين في منطقة القبلة، وحج سنة 1827، وعاد في 1832 إلى المنطقة حيث أقام فترة في حضرة أهل عثمان دان فوديو في سوكوتو. وقام بحركة جهادية في حوضي نهري السينغال والنيجر في الفترة ما بين 1852-1864 للقضاء على الجيوب الوثنية في المنطقة، ومقاومة النفوذ الاستعماري الفرنسي المتنامي فيها. واحتل خلال تلك الحركة البامبوك، وكعرطة، وانيورو، وأزاح سلاطين أهل بهدل عن منطقة باغنة. وأطاح بمملكة سيگو البمبارية سنة 1861 ليبدأ حملته ضد مملكة ماسنة الفلانية المسلمة التى استولى على عاصمتها حمد الله في 1862، واحتل تنبكتو، قبل أن يُقتل في 12 فبراير 1864 إثر حصار ضربه عليه تحالف القادرية الكنتية، وإفلان ماسنة، والتوارگ في جبال بانچگرا الماسنية.  

[29]- يشير فيديرب هنا إلى قيام الحاج عمر في بداية 1855 بمهاجمة مخازن التجار الفرنسيين في "مدينة" بأعالى النهر واستيلائه على ما فيها وإضرام النار في الباقي كردة فعل على رفض الفرنسيين - هذه المرة - تزويده بالسلاح والمؤن خلال حربه مع بمبارة الوثنيين في كعرطة. ومثلت تلك الحادثة بداية مواجهة الفرنسيين مع الحاج عمر وحركته.

[30]- تتجلى هنا بوضوح نزعة التدخل الفرنسي السافر في الصراع البركني على السلطة إلى جانب سيدي اعلى الثاني ابن حليفهم السابق أحمدو بن سيدى اعلى الأول، ومناهضتهم لامحمد بن سيدي حليف محمد الحبيب والمدعوم بقوة من طرف الشيخ سيديه في حربه ضد الفرنسيين.

[31]- الگصبة أو لگصيبة: هي التسمية المحلية لمحطة البراكنة الواقعة على الضفة اليمنى لنهر السينغال على بعد 62كلم إلى الشرق من دگانه، على خط العرض 39 °16 من خريطة IGN، مقياس 200000/1 (ورقة بودور).

[32]- حديث صحيح رواه مسلم (2398)، والنسائي (2554)، وأحمد (19179) وغيرهم عن المنذر بن جرير عن أبيه بلفظ: «مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا ، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ». ورواه الطبراني في "الكبير" (17645) وفي "مسند الشاميين" (2560) والهيثمي في "مجمع الزوائد (772) عن وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ بإسناد لا بأس به، بلفظ: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ حَتَّى يُتْرَكَ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ أَجْرَى اللَّهُ لَهُ أَجْرَ الْمُرَابِطِ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

[33]- كتبت في الأصل بالتاء المفتوحة، وهو خلاف الأولى.  

[34]- كتبت في الأصل بإثبات ألف الجماعة، وهو سبق قلم جلي.

[35]- سورة يوسف، الآية 53.

[36]- سورة فاطر، الآية 6.